روائع مختارة | واحة الأسرة | نساء مؤمنات | رسالة للأجيال.. القادمة!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > نساء مؤمنات > رسالة للأجيال.. القادمة!


  رسالة للأجيال.. القادمة!
     عدد مرات المشاهدة: 2739        عدد مرات الإرسال: 0

إلى أبنائنا القادمين، إلى امتدادنا في هذه الدنيا الفانية إلى أحفادنا الذين ورثوا عنا بعض ما تحمر له الوجنات خجلا وحياء وغصة.

نعتذر لكم وبكل ألم، فقد ورّثنا آباؤنا العزة والكرامة والشهامة والفخر والتباهي بهم، حيث كان آباؤنا عظماء فتغنينا بمفاخرهم وكنا نردد دائما هكذا كان أجدادنا.

وكنا نعتز بالتاريخ الذي كتب عن أجدادنا العظماء بماء الورد والعطور الفواحة مفاخرهم ومواقفهم.

فكانوا أسودا أقوياء دافعوا عن إسلامهم بأرواحهم ونصروا الإسلام ورفعوا رايته وطبقوا العدل وتعاليم الدين فسادوا وحكموا الأمصار ودانت لهم الرقاب. لقد ورثونا حضارة سادت وبجهودنا بادت.

قرأنا في تاريخهم قصة جابر عثرات الكرام، وقصة المعتصم، وعن طارق بن زياد وموسى بن نصير، ومحمد الفاتح، وعن عدل سيدنا عمر بن الخطاب وقرأنا سيرة عمر بن عبد العزيز،  وأسامة بن زيد، وخالد بن الوليد،وذكر عن أجدادنا أن أحد قادة الروم دعا رجلاً من نصارى العرب، فقال له:

ادخل في معسكر هؤلاء القوم، فانظر ما هديهم، وما حالهم، وما أعمالهم، وما يصنعون، ثم ائتني فأخبرني بما رأيت.

وخرج الرجل من معسكر الروم حتى دخل معسكر المسلمين فلم يستنكروه؛ لأنه كان رجلا من العرب، لسانه عربي ووجهه عربي، فمكث في معسكرهم ليلة حتى أصبح فأقام عامة يومه، ثم رجع إلى قائده الرومي.

وقال له: جئتك من عند قوم يقومون الليل كله، يصلون ويصومون النهار، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رهبان بالليل فرسان بالنهار، لو يسرق مَلِكُهم لقطعوا يده، ولو زنا لرجموه؛ لإيثارهم الحق، وعدم اتباعهم إياه على الهوى.

فلما انتهى الرجل العربي من كلامه قال القائد الرومي: لئن كان هؤلاء القوم كما تزعم، وكما ذكرت لبطنُ الأرض خير من ظهرها لمن يريد قتالهم.

لم نحاول الاقتداء بهم وحفظ إرثهم والمحافظة على موروثهم، بل سعينا إلى السير في عكس طريقهم. يقولُ اللهُ تعالى في كتابه الكريم: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44,43). 

وصح عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتابُ الله وسنتي، عضوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور" (1). 

وأخبرَ في الحديثِ الصحيح: "أن الأنبياء لم يورثوا ديناراً و لا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر" (2). فلم نأخذ بما جاءنا، بل تشرذمنا وأصبحنا شيعا وطوائف متفرقين ينهش كل منا لحم أخيه ويتلذذ بمنظر سلخه بيد أعدائه، واليوم تدس رؤوسنا في الأكياس وتداس على هاماتنا بالأقدام من أعداء زحفوا علينا وعركونا عرك الرحى بثفالها.

فأصبحنا لا نغيث الملهوف ولا نطعم الجائع، ولا ننصر إخواننا، ونتآمر في الخفاء عليهم ولا نرعى أخوة في الدين أو العروبة أو صرخات امرأة ثكلى أو طفل قتل أبواه أو عجوز حطمت أطرافه بهراوات العدو. فهل بعد ذلك ضلال أكثر وأفظع مما نحن فيه؟

كم رددنا  قصة المعتصم خلف أسـتاذ التاريخ وصرخة المرأة العـربية التي دوت (وا معتصماه) وكأنها قصة من الخيال أو فلم كرتوني على إحدى الشاشات. وفي واقعنا أصبحنا نسمع الصرخات تتعالى من أقرب النساء إلينا ولم نتحرك، سمعنا قصصا يشيب لها الرأس من قصص عقوق الوالدين وليتها تقف عند العقوق بل تجاوزت ذلك للاعتداء عليهم بالضرب.

وهتك العرض والطرد وحتى القتل، فنسكت ولا نحاول النهوض من سباتنا بل نكتفي بأضعف الإيمان، فنشجب ونستنكر ولا نحرك ساكنا، سكتنا دهرا حتى انتشر الفساد الإداري وأصبحت المناصب والوظائف تورّث وأصبح الإنسان بمن يعرف لا ماذا يعرف، فاختلت الموازين.

نشعر بالأسى والحزن على أنفسنا لعدم توريثكم ما يرفع رؤوسكم، علما أن كل مقومات العظمة لدينا ونمتلكها. فديننا الإسلامي الحنيف علمنا كيف نكون عظماء ولنبقى عظماء، ولكن لم نحاول بل أبينا أن نكون عظماء.

فنحن نمتلك مفاتيح العظمة ونحن أهلا لها ولكننا خذلنا أنفسنا وخذلناكم،. ديننا يأمرنا بالوحدة والاعتصام بحبل الله، ونحن  تشرذمنا وتفرقنا وأصبحنا نقتل بعضنا باسم الإسلام، ونقتل الأبرياء ونكفر بعضنا بعضا.

وكل منا يرى أنه ومن شاكلته صفوة الخلق وغيرهم لا يفقهون شيئا، تطرفنا فقطعنا حبال الود فارهبنا بعضنا ودمرنا مقدراتنا بأنفسنا وكأننا نردد قول الزباء: (بيدي لا بيد عمر). يقول أحمد محرم في قصيدة له بعنوان (مطلع النور الأول):


أملأ الأرض يا محمد نورا

                    واغمر الناس حكمة والدهور

حجبتك الغيوب سرا تجلى

                    يكشف الحجب كلها والستور

أنت أنشأت للنفوس حياة

                    غيرت كل كائن تغييرا

أنجب الدهر في ظلالك عصرا

                    نابه الذكر في العصور شهيرا

نعم والله فبمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام ارتقينا واعتلينا سلم المجد، ولكننا في زماننا هذا ابتعدنا وكنا كمن قال فيهم الشاعر:

أنكر الناس ربهم فتولوا

                  يحسبون الحـياة أفكا وزورا

أين من شرعة الحياة أناس

                 جعلوا البغي شرعة و الفجور

دامت الحضارات الرومانية وغيرها ممن تعلموا منا الحياة الكريمة فنراهم يطبقون تعاليم الإسلام وهم ليس بمسلمين، ونحن اقتبسنا كل سيئ من أراذلهم وقلدناهم تقليد الأعمى وأصبحنا جنودا مجندة تحت إمرتهم نهدم مجتمعنا بمعاولنا لنكسب ودهم ورضاهم.

أصبحنا نضرب بهم المثل الأعلى وهم يخططون لنا بكل حقد وخبث ما يدمرنا ونحن نسير على خطاهم وننفذ خططهم. فنحن المجرمون ونحن الضحايا.

عذرا عذرا أحفادنا الأعزاء، لقد كانت مهنة الطب في زمن أجدادنا مهنة إنسانية شريفة فالطبيب (الحكيم) كان يبذل روحه من أجل إنقاذ مريض وفي عصرنا أصبح المريض هدفا للاستغلال.

فإن لم يدفع الرسوم لا يعالج بل حتى ولو مات يحتفظ به في ثلاجة الموتى حتى يتم دفع رسوم المستشفى وإلا ستكون قبره الثلاجة هذا إذا سلم ولم تسرق أعضاؤه مثل الكلى والقلب وغيرها ممن خف وزنه وغلي ثمنه.

والمستشفيات الخاصة شيدت في مبان جميلة كالقصور ولكنها لا تستقبل حتى حالات الطوارئ إن لم يدفع المريض الرسوم العالية، فأصبح الفرد سلعة يتاجر بها الأطباء والمستشفيات وأصبحت حياة الإنسان تساوي ما معه من نقود تطبيقا للمثل المصري القائل: ( معك قرش تساوي قرش ).

ولا نقف عند هذا الحد بل أصبح الإنسان في عصرنا مستهدفا من التاجر يرفع الأسعار حيث يشاء متى شاء، ومن البنوك التي تغريه بالقروض الميسرة ثم تودعه السجون عندما يعجز عن التسديد لتلك المبالغ الربوية، وكأنهم يطبقون نظرية اليهودي (شايلوك) في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير.

فأصبح جل تجارنا وبنوكنا وتجار أسهمنا يتعاملون بنفس المنهج والطريقة، فخلاصة القول أن الإنسان في زمننا أصبح سلعة رخيصة ليس له قيمة مادية ولا معنوية.

وفقدنا إنسانيتنا التي نتمنى أن تستدركوا ما بقي من فتاتها وتعيدوا تشكيل الهوية لتنهضوا بالأمة وتعيدوا أمجاد أجدادنا التي عجزنا أن نقتدي بها واكتفينا بالتاريخ وقراءته.

أحفادنا الأعزاء إذا قرأتم رسالتي هذه فترحموا علينا، ولا تلومونا فقد نسينا معنى العظمة لأننا فقط قرأناها في كتب التاريخ ولم نعرفها واقعا ملموسا فجيلنا وللأسف وصمة عار في جبينكم فامسحوها بأعمالكم وعودتكم لتعاليم دينكم.

فانبذوا ما وجدتم عليه آباءكم، واعقدوا العزم على تصحيح أخطاء أجدادكم، ولا تقولوا كان أبي ولكن قولوا ها نحن أمة محمد نبني ما هدمه آباؤنا ونعيد أمجاد العظماء بدينهم وهويتهم الإسلامية وقولوا بفخر : ( إنما نحن مسلمون )، قد أتأسف لكم عن أخطائنا وكم أتمنى أن تقبلوا أسفي نيابة عن جيل مخذول مهزوز مهزوم.

 الكاتب: أ. د. محمد حمد خليص الحربي

المصدر: موقع آسية